على مدى عقود حملتُ فكرة، فأنارت في عقلي وخاطري، فكانت تلك الفكرة بذرة حتى أصبحت شجرة، ومن ثم حملتُ تلك الشجرة فكانت ثمرة يشار لها كل من مر عابراً في سبيلها، لم يكن الوصول إلى تلك الثمرة الناضجة في حلتها وشكلها النهائي أمراً بالهين أو البسيط، فقد عصف بها مراحل من التعب والجهد ولكن ذلك لم يثنيني يوماً أو ساعة ولا حتى ثانية عما أريد أن أصل إليه، فوضعت هدفي نصب عيني ماضية في تحقيقه، متسلحة بالعديد من الأهداف راغبة في الوصول إليها مهما كانت الثمن.
فكان من ضمن تلك الأهداف التي حملتها في جعبتي الإبداع، فالإبداع في مصطلحه قد يكون شيء بسيط، ولكن ذلك الإبداع لم يكن كما يخيل للكثيرين، لقد انتقلت بفكرتي “المصمك قصة وحدة وطن”، إلى حيز التنفيذ. تلك المرحلة جاءت وقد وجب العمل عليها بشيء من الدقة والاحترافية، وبناءً على ذلك مضيت ابحث عمن يكون لي عوناً في تنفيذ فكرتي، فالأفكار بالعقول ليس من الممكن تحقيقها كما نريد، ولكني كنت حريصة خلال بحثي عما يترجموا تلك الأفكار إلى واقع، حتى توصلت إلى شركة متخصصة في الهندسة والتصميم، وجدت ضالتي لديهم، فقمت بإشراكهم الفكرة وأوضحت كافة الأمور وتناقشنا حول الكثير والكثير حتى أدقها لكي أ خرج بنتيجة متميزة بشكل كبير عن الأداء والتصميم والتنفيذ.
لقد كلفتني عملية الإبداع في التنفيذ وقتاً عصيباً فدفعت ثمنه من أعصابي، كنت خائفة ألا يكون المصمك حلم السنين ورؤية الوطن، ومشوار المستقبل أن يكون ضرباً من الخيال وأن أفشل في تحقيقه، ولكن بفضل الله وكرمه استطعت مع شركة الهندسة والتصميم أن يخرج العمل والبناء والتصميم للمصمك كما أردت بل وأكثر إبداعاً، لقد كنت حريصة أن يكون المصمك في تنفيذه يحمل أدق التفاصيل وأكثرها روعة كما في الماضي، فإن رسالتي من البدء بتنفيذ المصمك لم يكن لمجرد البناء والعمل فقط، بل كانت رؤيتي ورسالتي المساهمة في بناء جيل واعٍ مطلع على تاريخه ملم به وبأدق تفاصيله ليعيش تاريخ وحضارة الماضي في وقتنا الحالي والمستقبل دون أن يجهل أي جزء من أجزاء ماضيه ووطنه ؛ ليرسخ في ذهنه عقيدة وسلوك وأخلاقيات وطنه، وليكون نعم المواطن الصالح لوطنه وشعبه وقادته.
كما وقد تمت بناء المصمك على أرض جميلة ، مراعين بما يلامس ويشابه المصمك الحقيقي كل ذلك يكون إبداعاً في التنفيذ، فلو تمعنت النظر في كل زاوية من زوايا المصمك وكل رواق من أروقته ستدرك حقيقة الأمر جيداً، وستغنيك الكلمات عن القول والنطق بها، فروعة المنظر وحقيقته كفيلة بأن يقال في حقها: ” فإذا وقفت أمام حسنك صامتاً، فالصمت في حرم الجمال جمال”، إنه حقاً الصمت من كثرة الجمال ودقة التفاصيل ورعة التنفيذ والتخطيط والبناء والمتابعة.
ومن شواهد فخري بروعة الإبداع في التنفيذ، بأن كل زائرين، “المصمك قصة وحدة وطن”، يعبرون عن ذلك الإبداع بالقول:” كأنه حقيقي، لا يختلف كثيراً، لا يمكننا تفريقه حقاً، كأنني أعيش في الماضي”، كل تلك الكلمات وأكثر قد تعبر عن فرحتي وسعادتي عند سماعي لها، لما قد بذلت في عطائي في سبيلي قد أوتي أكله حقاً، إن الشعور بالسعادة لأمر حقاً مفرح للقلب قبل العين، فالحمد لله كل من كان عوناً وسنداً في إخراج دقة أعمال المصمك في حلته النهائية ليكون شاهداً على إبداع الكثيرين ووفاء وإخلاص الأعمال، فكلما كانت الأعمال خالصة لله ثم لوطني ولقادتي كان الإبداع والعطاء جميل.
ولهذا كان إبداعي وتفردي في “المصمك قصة وحدة وطن”، تفرداً شامل النواحي سواء أكان فكرياً أو عملياً فتظافرت الجهود وكانت النتيجة حقيقية إبداعاً فوق إبداع.
موضي ال نادر